مع بداية كل موسم دراسي تنشط الساحة النقابية استقطابا و انضماما، في موسم شبيه بالحملات الإنتخابية و الإدعائية التي تخوضها الأحزاب التي لا تستحيي أن تزكي كل من هب و دب، همها الوحيد أن تظفر بالمقعد، بغض النظر عما إذا كان الجالس عليه مقعدا (كبتفليقة) جسديا أو روحيا، أو مستعدا لكي يكون رجلا في مستوى وعوده و دوافعه. لكن، ما يلاحظه المتتبع أنه رغم كون برصة الإنخراطات النقابية التعليمية تتميز بجودة المستهدفين الذين يتحقق فيهم الحد الأدنى من الوعي و وضوح الطريق و القدرة على قراءة الواقع، (بخلاف عمومية الإنخراطات الحزبية )، فإن نسبة ضئيلة جدا من رجال التعليم -خصوصا الجيل الحديث منهم- تستطيع أن تستوعب ماذا تعني لديها العقيدة النقابية وأبعادها القريبة و البعيدة.
أتذكر أول دخول دراسي لي في حياتي المهنية بعد منتصف شتنبر من سنة 1997 بإحدى نيابات الأقاليم الجنوبية للمملكة، حين بادرني، ونحن في استراحة الساعة الرابعة بقاعة الأساتذة، بالقول أحد القيادين الفاعلين داخل مكتب نقابي لنقابة رائدة يومئذ، وهو يمسك بسيجارة بين أصبعيه: ” خصك تتنقب باش النقابة تدافع عليك…”. ورغم أنه لا قبل لي أنذاك بعالم النقابات و لغته، فإنني وجدت دعوة الأستاذ لي “للتحزب” النقابي غير مقنعة ولا تستقيم مع مقام قيادي كهل و متمرس داخل نقابة يسارية كان يقال عنها أنها تزلزل الأرض من تحت المخزن.
للأسف الشديد نفس الخطاب لا زالت جل النقابات تسوقه اليوم بين منخرطيها، خصوصا الملتحقين الجدد بمهنة التدريس. فأول شيء يترسخ في ذهن الوافد الجديد من ذلك الكلام هو أن الإنتماء النقابي بمثابة ” حزام أسود في الكراتي” و لعبة مصنفة ضمن فنون الدفاع على النفس، والخصم لن يكون سوى السيد الكوري الجنوبي (المدير)، الذي يحافظ على لياقته الإدارية و البدنية من خلال الكاطات القانونية (التسيير، التدبير، التزوزيع، التفويض، التعديل، الإستفسار، يمين/يسار، أمام/خلف..)، و أن اللامنتمي نقابيا بمثابة الكبش الذي لا قرون له، وبالتالي سيعيش كارا و فارا.
أعتقد أن كل هذا مجانب للصواب ،وزارع لمغالطات غير بريئة ظلت بعيدة عن التناول الفكري و التحليلي، لكن القادة النقابيين، والمنخرطين المتحمسين، غالبا ما تستهلكهم محطات نضالية و لقاءات تنظيمية تجعلهم يتجنبون، عن قصد أو بدونه، الخوض في، أو تأطير المنخرطين، بخصوص العمق الإستراتيجي للإنتماء النقابي. فالمسألة أكبر بكثير من “الدفاع المتحدث عنه أعلاه” وتتجاوز أهداف الحصول على الوثائق الشخصية من الوزارة و الأكاديمية والنيابة.
إن الصراع المحموم بين النقابات المغربية في مسألة توسيع قاعدة المنخرطين تؤطره إستراتجيتين يكاد يقتصر إستحضارهما على المكاتب الوطنية “المحنكة” للنقابات، و هما.: أولا، ضمان شريحة أو قاعدة للعضوية تسمح بضمان عضوية المكتب الوطني في الحوار الوزاري أو الإجتماعي مع الحكومة؛و ثانيها -وأهمها على الإطلاق- هو ضمان الإستفراد بالتحكم في تسيير التعاضدية العامة لرجال التعليم، التي يقدر رأسمالها ببلايين الدراهيم المتنامية بشكل مطرد ودوري ، على اعتبار أن مساهمة كل موظف تابع لوزارة التربية الوطنية في صندوق التعاضدية هي مساهمة سنوية و شهرية إجبارية ، وليست إختيارية؛ أموال تكفي لكي تمكن كل رجل تعليم من شقة محترمة وسيارة رباعية الدفع، و ربط مجاني أبدي بالإنترنيت، و علاج بمصحة من خمسة نجوم. لكن بدل هذا ، يظل السادة الأساتذة يدبرون أمورهم فيما بينهم “بدارت” داخل قاعات الأساتذة. وبدل أن تتكفل التعاضدية بهذه الأهداف و الحقوق، تأتي مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الإجتماعية للتربية و التكوين ، لتحيد بالأنظار عن التعاضدية و لتنزل عليها بردا و سلاما.
فعلى السادة الأساتذة أن يعيدوا قراءة فهمهم للإنخراط النقابي، وأن يدركوا أن كل انخراط هو تفويض بطريقة يجوز اعتبارها مباشرة و غير مباشرة لمن يستأمنون على عرق و آلام زملائهم المدرسين و المدرسات. و لكي تتضح لكم الصورة أفضل أشير عليكم بالرجوع إلى الحقائق و الكواليس التي كشف عنها الصحفي رشيد نيني في عمود له تحت عنوان “التعاضدية : التعاضد.. أو شي عاض فشي”. فأنا شخصيا ممتن لنيني (رغم كل ما يقال عنه) لأنه إستطاع أن يكسر جوزة صندوق ظل كالشبح، أو كمخلوق نؤمن به ولا نراه، رغم أننا نكتري إنتماءنا إليه بأزيد من 2000 درهم سنويا، صندوق (التعاضدية) تكاد تكون ثرواتة بحجم الوطن، و عليه يجوز الشعار القائل “نموت نموت و يحيا (الصندوق) الوطن ” ! فكم من أستاذ مات واقفا أو جالسا أو راكبا أو منتحرا و ترك العابثون يعبثون بما وضعه في الصندوق من مدخرات؟
عندما نستحضر ، أخيرا، هذه الحيثيات نستطيع أن نفهم، و لو قليلا، لماذا أصبح اليوم الحقل النقابي يقبل بكثير من التمييع والإستثمار في جو عدم الثقة، و يسخر من الأصوات التي يمكن أن تجعل من العمل النقابي و رساليته آلية من آليات صنع النهضة و خلق جو تعليمي صحي و خلاق .
شكرا على تفضلك بإبدائك لهذا الرأي أستاذنا الفاضل،
بكل تأكيد أن القارئ ، من بعد قراءة المقال، يخرج بخلاصة مفادها أن ندائي كان واضحا لتبني العمل النقابي ، بل بذلت كل ما في وسعي للدعوة إلى الذهاب في فهمه و استيعاب أهميته و أدواره ، التي تذهب إلى حد تمكين النقابات ذات التمثيلية العريضة من رئاسة تعاضدية رجال التعليم ؛ هذه الأخيرة لها تأثير مباشر على نظام رفاهيتهم و نظامهم الصحي و الإستشفائي.
قلت في ختام المقال أن قوة نسق العمل النقابي و انعكاس أهميته على حياة الموظفين و حياة الوطن الحقوقية هي التي تجعل منه ميدانا مستهدفا بالتمييع و كسر جسور الثقة بين مكوناتهه. وعليه، فإن خير رد على التمييع و الإستهداف هو تجديد إيماننا به و تنقيته من شوائب العبث و التمييع و الإسترزاق.
لم تقل لنا أستاذ… هل (في نهاية المطاف) علينا أن ننخرط في هذه النقابات أم لا؟ و ما البديل ؟
شخصيا أظن أنه لولا النقابات لكان موظفو المغرب أسوأ حالا مما هم عليه الآن… كما أظن أن تبخيس عمل النقابات و حصره في مهام فيها “شبهات و فساد” إنما هو ظلم في حق هذه النقابات التي قدمت شهداء و معتقلين و أنتجت مناضلين قدموا خدمات جليلة لزملائهم و ضحوا بوقتهم و جهدهم في سبيل خدمة الآخر في الوقت الذي انصرف فيه الآخرون كي لا نقول الانتهازيون لخدمة مصالحهم و مشاريعهم الخاصة…
لا أدعي أن النقابات مؤسسات تحوي الملائكة فقط، لكنها مع ذلك تبقى ضرورة لحماية مصالح الطبقة العاملة من تعسفات الدولة و الباطرونا… و لا أظنك أستاذنا المحترم تجهل أن الإنسان الوحيد الذي لا يخطأ، هو الذي لا يقوم بأي فعل… لذا، فذعوا ما تبقى من مناضلين يقومون بما هو ممكن من جهد، قبل أن يقرروا ترك النقابات و الاصطفاف بجانبكم … و آنئد سنرى الوضع، هل سيقوى الانتهازيون على تبني ملفات زملائهم أم لا…
شكرا لكم سيدي على التعليق و التنبيه، وهذا إن عكس شيئا فإنما يعكس غيرتكم على لغتنا العربية العظيمة.
بالفعل، أحسست بنوع من الحيرة أمام كلمة “العابثون / العابثين” أثناء الكتابة. كنت أعرف أنها في محل مفعول به ، وأن الفاعل حسب سياق المقال هو الأستاذ المغيب أو الراحل. لكنني حاولت أن أكون “متعسفا” في حق العابثين لأنهم هم الفاعل الحقيقي الذي يصنع التغيير السيئ في حياة الوطن و المنخرطين. “المفعول به” في اللغة دائما يأتي بنكهة الطرف السلبي و المستسلم (passive) والغير الفاعل. قياسا على هذا التبرير و الحاجة إلى الإجتهاد في بعض المواقف، إعترف اللغويون واللسانيون “بالتعسفات” التي نجدها في الشعر العربي و التي سميت بالضرورة (الشعرية).
ومهما كان، أصر على شكرك على الإهتمام، و أعتذر لك و لكافة السادة القراء.
والسلام عليكم.
الى الاستاذ عزوزي المحترم لا تعير اهتماما للغة اثناء كتابة مقالك هناك دائما اخطاء ترد من قبيل رفع المفعول به في مثل {وترك العابثونّ} فالصواب {وترك العابثينّ} يجب الانتباه لها لما قد ينتقص من قيمة مقالك العلمية
موضوع جيد ومنطقي اماط اللتام عنQ المستور وكشف عورة النفايات الانتهازية التي تتاجر بذمم الاساتذة واغتنت علي حسابهم وانا شخصيا غرر بي وظللت سنوات في سبات عميق فعندما كنت اتابع فتح الله ولعلو وهو برغد ويزبد في سرك الحسن التاني ولما وصل الي وزارة المالية حلمت انني ستكسب سيارة وشقة وراتب محترم فإذا به يجر البساط تحت اقدام ملايين الكادحين السذج متلي .احذروا التعالب الماكرة